فصل: فصل في اللعان:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البهجة في شرح التحفة (نسخة منقحة)



.فصل في اللعان:

ومعناه لغة البعد لعنه الله أبعده، واصطلاحاً قال ابن عرفة: اللعان حلف الزوج على زنا زوجته أو نفيه حملها اللازم له وحلفها على تكذيبه إن أوجب نكولها حدها بحكم قاض، فاحترز بقوله اللازم له مما لو أتت به لأقل من ستة أشهر من يوم العقد أو كان خصياً فإنه ينتفي عنه بغير لعان، وقوله: إن أوجب نكولها حدها مما لو ثبت غصبها فلا لعان عليها واللعان عليه وحده، وبقوله بحكم قاض مما لو تلاعنا بدون حكم فليس بلعان شرعاً ولا ينبني عليه حكم، وكذ يحترز به عما لو سكت عند الوضع، ثم أراد أن ينفيه ويلاعن فيه لأن القاضي لا يحكم باللعان في هذه الصورة لأن سكوته دليل على كذبه. وقوله حلف الزوج وحلفها الخ يصدق بما إذا حلف هو يميناً واحدة وحلفت هي كذلك، لكن قوله: بحكم قاض يخرج ذلك لأنه لا يحكم به إلا على الوجه المشروع. ابن عرفة: ولا نص في حكمه. ابن عات: لاعن ابن الهندي زوجته بحكم صاحب الشرطة وكانت ملاعنتهما في المسجد الجامع بقرطبة سنة ثمان وثمانين وثلثمائة فلما عوتب قال: أردت إحياء سنة دثرت قال: وكان ابن الهندي تلميذ الفقيه أبي إبراهيم إسحاق بن إبراهيم عنه أخذ ومعه تفقه، وكان مقدماً أيضاً عند القاضي محمد بن السليم بن عرفة. إن كان اللعان لنفي الحمل فهو واجب لئلا يلحق بنسبه ما ليس منه فتجري عليه جميع أحكام الأنساب وإلاَّ فالأولى تركه بترك سببه لأنه من الأمور التي نص الشارع بالستر عليها لقوله عليه السلام: (من أصاب شيئاً من هذه القاذورات فليسترها بستر الله) ويستحب له طلاقها إن لم تتبعها نفسه، فإن وقع سببه صدقاً وجب لوجوب دفع معرة الحد والقذف إلخ. وفي المعيار عن سراج ابن العربي أن شهادة الرجل على زوجته برؤية الزنا مكروهة إذ لا تفيد أكثر من الفراق والفراق مع الستر أفضل، وأما شهادته على نفي الحمل فواجب لئلا يلحق بنسبه ما ليس منه. وقول ابن الهندي: إحياء سنة دثرت إلخ. قال الشيخ (م) مراده إحياء أمر أذنت فيه السنة وأباحته لا أنه مطلوب الفعل فهو كقولهم طلاق السنة. وقال البرزلي: مراده صفة اللعان أي إحياء صفته، وقد أغنى الله تعالى عنه بما ذكر من صفته في القرآن. والستر أولى وإنما تستر بهذا الكلام حين عوتب قال: وقد وقع في زمن الأمير أبي يحيى رحمه الله تعالى، وتلاعنا بجامع الزيتونة، وقد وقع بعد ذلك مرة أخرى ولا غرابة في وقوع سببه في هذا الزمان لكثرة المفاسد نعوذ بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن. اهـ.
قلت: وقد وقع أيضاً مراراً بعد الأربعين والمائتين والألف بجامع القرويين من فاس صانها الله، وإذا علمت ما مر من وجوبه فما في لامية الزقاق ونظم العمل من أن العمل جرى بترك اللعان مطلقاً من فاسق وغيره لا يعول عليه لأنه خلاف الكتاب والسنة ولا أبعد من جريان العمل بمحرم الذي هو ترك الواجب، ولذا اعترض سيدي أحمد بن عبد العزيز الهلالي العمل المذكور.
وَإنَّمَا لِلزَّوْجِ أنْ يَلْتَعِنَا ** بِنَفْي حَمْلٍ أَوْ بِرُؤْيَةِ الزِّنا

(وإنما) للحصر (للزوج) خبر عن المصدر المؤول من قوله: (أن يلتعنا بنفي حمل) يتعلق بالاستقرار في الخبر (أو برؤية) معطوف على بنفي (الزنا) مضاف إليه والحصر منصب على المجرورات مع الظرف الآتي أي: وإنما الالتعان كائن للزوج لا لغيره كسيد بنفي حمل مع ادعاء الاستبراء أو برؤية الزنا لا بغيرهما من مجرد قذف بغير رؤية، ولا نفي حمل أو بنفي حمل أمته لا مع ادعاء استبراء وعدم اللعان بمجرد القذف هو أحد المشهورين في قول (خ) وفي حده بمجرد القذف أو لعانه خلاف، فاقتصر الناظم على ذلك. وقوله للزوج حقيقة أو حكماً فيدخل لعان الواطئ بالشبهة فإنه يلاعن في نفي الحمل عنه وإن لم يكن زوجاً لأنه لما كان الولد لاحقاً به إن لم يلاعن ودرئ عنه الحد كان في حكم الزوج وأطلق في الزوج فشمل الحر والعبد والفاسق دخل أم لا. كان نكاحه صحيحاً أو فاسداً ولو مجمعاً على فساده كخامسة ولا يشمل الكافر لأنا لا نتعرض لهم إلا أن يترافعوا إلينا فنحكم لهم بحكمنا. وقوله: بنفي حمل أي: والزوج ممن يمكن وطؤه لحضوره في البلد وعدم صغره وصحة العضو الذي يطأ به فلا لعان على صبي ولا مجبوب ولا على غائب ببلد لا يمكنه الوصول إليها لبعد المسافة، بل ينتفي في ذلك كله بغير لعان. وقوله: حمل أي وكذلك الولد فيشمل من قدم من غيبته بعد موت زوجته المدخول بها فنفى ما ولدته في غيبته، وظاهر قوله: أو برؤية الزنا أنه لابد من ادعاء الرؤية حقيقة وهو كذلك فيمن تتأتى منه الرؤية (خ) تيقنه أعمى ورآه غيره. اهـ. وظاهره أيضاً أنه لا يشترط وصف الرؤية بقوله كالمرود في المكحلة بخلاف الشهود وهو كذلك كما في ابن الحاجب والشامل وغيرهما، وفي المدونة لا يلاعن حتى يدعي رؤية الفرج في الفرج. قال الشيخ طفي: وشهره الأبي وظاهره أيضاً أنه لا يلاعن للرؤية ولو أقام أربعة شهود على زناها وهو كذلك لكن يلاعن وحده إن شاء لينتفي عنه ما تلده لستة أشهر فأكثر من يوم الرؤية، وإن نكل فلا حد عليه لأنه قذف غير عفيفة، وأما هي فلا تلتعن لأن حدها قد وجب بالبينة هكذا قيل، وتأمله مع ما يأتي في البيت بعده من أن اللعان بمجرد الرؤية لا ينتفي به الولد على المعتمد ثم لابد من ثبوت الزوجية ولا يكفي إقرارهما به إن لم يكونا طارئين فإن كانا طارئين وجب اللعان بإقرارهما بها وقوله:
مع ادِّعائِهِ للاسْتِبْرَاءِ ** وَحَيْضَةٌ بَيِّنَةُ الإجْزَاءِ

(مع ادعائه) يتعلق بيلتعن أي: وإنما يلتعن في نفي الحمل مع الادعاء (للاستبراء) لا مع عدم ادعائه وقوله (وحيضة) مبتدأ (بينة الأجزاء) خبر ومضاف إليه، والاستبراء أعم من أن يكون بالوضع أو بالمدة أو بالحيض فإذا وضعت حملها ولم يطأها بعده حتى وضعت حملاً آخر وبين الوضعين ستة أشهر فأكثر فإن له أن يلاعن في هذا الثاني لأنه يمضي الستة أشهر لا يمكن أن يكون توأماً للأول، فيعتمد حينئذ في لعانه على الاستبراء بالوضع الأول، وكذا لو وطئه وأمسك عنها فأتت بولد بعد هذا الوطء لأقل من ستة أشهر من يوم الوطء المذكور أو لأكثر من أقصى أمد الحمل كخمس سنين فإنه يعتمد على لعانه في تلك المدة القليلة أو الكثيرة لأن الولد في القليلة ليس هو للوطء المذكور على زعمه لنقصه عن الستة، ولا أنه توأم للأول لفصل الستة أشهر بينهما ولأنه في الكثيرة على زعمه زاد على أقصى أمد الحمل من يوم وطئه فيعتمد على المدة المذكورة وإن لم يكن هناك حيض ولا وضع، وأما إن استبرأها بحيضة ولم يطأها بعدها حتى أتت بولد لستة أشهر فأكثر من يوم الاستبراء فيعتمد على ذلك ولا إشكال فقوله: وحيضة إلخ. أي لكن إن كان الاستبراء بالحيض لا بالوضع ولا بالمدة فحيضة واحدة كافية في الاعتماد عليها، فقد اشتمل كلامه رحمه الله تعالى على صور الاعتماد الثلاثة التي هي في كلام غيره، وسواء رآها تزني مع واحدة من تلك الصور أم لا. وما ذكره من الاعتماد على الحيضة الواحدة هو المشهور، وقيل لا يعتمد عليها لأن الحامل عندنا تحيض واستظهره في ضيح، ومفهوم قوله مع ادعائه إلخ. أنه لا يعتمد في نفي الحمل على عزل ولا على مشابهة لغيره وإن بسواد ولا وطء بين الفخذين إن أنزل ولا وطء بغير إنزال إن أنزل قبله ولم يبل كما في (خ) وأنه أيضاً لا يعتمد في نفيه على الرؤية وحدها من غير استبرائها بشيء مما مرّ وهو كذلك على المشهور، لكن هذا يلاعن للرؤية قطعاً حيث قامت المرأة بحقها في القذف، وإذا لاعن للرؤية وادعى الوطء قبلها وعدم الاستبراء وأتت بولد لستة أشهر فأكثر من يوم الرؤية فهل ينتفي الولد بلعان الرؤية المذكورة وهو الذي في (خ) حيث قال: وإن انتفى به أي بلعان الرؤية ما ولد لستة أشهر إلخ. أو لا ينتفي به بل هو لازم له وهو ما صدر به ثانياً حيث قال: وإن لاعن لرؤيته وادعى الوطء قبلها فلمالك في إلزامه به إلخ. وهذا الثاني هو الذي يجب اعتماده لأنها أتت به لمدة يمكن أن يكون فيها للفراش أو للزنا وقد قال عليه الصلاة والسلام: (الولد للفراش وللعاهر الحجر). قال البرزلي: أجمع أهل العلم على القول به إذا أمكن أن يكون للفراش من مجيئه لستة أشهر فأكثر من يوم العقد، وإذا كان كذلك فكيف به من مجيئه لستة أشهر فأكثر من يوم الوطء كما في الفرض المذكور، ولاسيما والشارع متشوف للحوق الأنساب فلا ينتفي حينئذ عنه أصلاً، ولا يمكن من اللعان فيه لعدم تقدم ما يعتمد عليه من الأمور الثلاثة. وهذا هو ظاهر النظم لأنه كغيره جعل نفي الحمل باللعان إنما هو مع ادعاء الاستبراء بشيء مما مر، والاعتماد على الرؤية وحدها لا يكفي على المشهور، وتأمل كيف يرجح القول بنفي الولد بلعان الرؤية مع احتمال كونه للفراش، وقول الأب إنه من الزنا مجرد دعوى لا دليل عليها بشيء مما يعتمد عليه من الأمور الثلاثة، بل لو صدقته المرأة عليها لم يفده ذلك لحق الولد فذلك القول مقابل للمشهور ولقول الأكثر القائلين إنه لا ينتفي إلا بلعان ولو تصادقا على نفيه، واللعان في الفرض المذكور إنما هو لدفع حد القذف لا لنفي الولد إذ لا يمكن من اللعان فيه مع تقدم ما يعتمد عليه والله أعلم. وقوله: وحيضة بينة الأجزاء إلخ. هذا إحدى المستثنيات الثلاث من قولهم استبراء الحرة بثلاث حيض كعدتها إلا في اللعان كما هنا وفي الزنا فإنها لا ترجم حتى تستبرأ بحيضة واحدة، وفي الردة فإن المرتدة المتزوجة أو ذات السيد لا تقتل بعد الاستتابة حتى تستبرأ بحيضة واحدة أيضاً، وفي ذلك يقول الأجهوري رحمه الله:
والحرة استبراؤها كالعده ** لا في لعان وزنا ورده

فإنها في كل ذا تستبرا ** بحيضة فقط وقيت الضرا

وَيُسْجَنُ القَاذِفُ حتى يَلَتَعِنْ ** وَإنْ أَبى فَالْحَدُّ حُكْمٌ يَقْتَرِنْ

(ويسجن) بالبناء للمفعول (القاذف) نائبه (حتى) حرف جر (يلتعن) منصوب بأن مضمرة بعدها يتعلق بيسجن (وإن أبى) شرط (فالحد) مبتدأ (حكم) خبره (يقترن) بالبناء للفاعل صفة لحكم أي فالحد حكم مقرون بإبايته والجملة جواب الشرط. قال في الطرر: يجب على الزوج إذا نفى ولده أو ادعى رؤية الزنا أن يسجن حتى يلاعن ومثله في ابن سلمون (خ) بلعان معجل إلخ. وظاهره كالناظم ولو مريضين أو أحدهما ولا يؤخر إلى البرء بل يتلاعنان عاجلاً بخلاف الحائض والنفساء فيؤخران معه كما في الشامل، ومحل وجوب الالتعان إذا رفعته الزوجة ولم يطأ بعد الرؤية ولا سكت بعد علمه بالحمل كما يأتي.
وَمَا بِحَمْلٍ بِثُبُوتِهِ يَقَعْ ** وَقَدْ أَتَى عَنْ مَالِكٍ حتَّى تَضَعْ

(وما) موصولة واقعة على اللعان مبتدأ (بحمل) يتعلق بمحذوف خاص صلة (بثبوته) يتعلق بقوله (يقع) والجملة خبر المبتدأ والتقدير: واللعان الذي وجب بسبب نفي حمل يقع بعد ثبوته بشهادة امرأتين لا قبل ثبوته، وظاهره اتفاقاً ولا يؤخر اللعان للوضع على المشهور، وقيل يؤخر وهو معنى قوله: (وقد أتى عن مالك) وهو قول أبي حنيفة وابن الماجشون أنه لا لعان (حتى تضع) لاحتمال أن يكون ريحاً فينفش، ورد بحديث الصحيحين وغيرهما؛ أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لاعن بين العجلاني وزوجته وهي حامل، وظاهر النظم أنه إذا لاعن بعد ثبوته ثم أنفش لا حدّ عليه وهو كذلك قال في الشامل: لاحتمال إخفاء سقط، وظاهره أيضاً أنه لا فرق بين المدخول بها وغيرها وهو كذلك لأن غير المدخول بها إذا ظهر بها حمل وادعت أنه كان يصيبها بعد العقد، وكان مما يمكنه ذلك كما مرّ وكذبها هو فلا ينتفي الحمل إلا بلعان ولا يؤخران للوضع ثم إن وضعته لستة أشهر فأكثر من يوم العقد فاللعان في محله ويترتب عليه آثاره ولها نصف الصداق، وإن وضعته لأقل من ستة أشهر فلا صداق لها ولا يتأبد تحريمها لأنه لاعن غير زوجة كما يأتي آخر الباب، وفي البرزلي: أن عياضاً سأل ابن رشد عن امرأة ادعت نكاح رجل وأثبتته وأثبتت ابتناءه بها وخلوته معها وحملها منه وحضر الرجل واعترف بجميع ذلك إلا الحمل فقال: ما وطئتها قط واعترف بالخلوة فاحتجت المرأة بأن في عقد المباراة إشهاده على نفسه بأنه بنى بها فقال: لم أعرف معنى البناء وظننته الزواج وتقيد ذلك عليه ووضعت المرأة حملها فهل يلحق بالزوج وهل يقبل قوله في جهل البناء والابتناء وهو من غير أهل الطلب وهل يلاعن بلا خلاف لإقراره بالبناء فهو كمن قذف ولم يدع استبراء؟ فأجابه: بأنه يلزمه الولد إلا أن ينفيه بلعان. اهـ.
قلت: حاصله أن الرجل المذكور اعترف بالخلوة وأنكر الوطء وادعته هي وهي مصدقة فيه فلا ينتفي عنه إلا بلعان، إذ لو لم تكن هناك خلوة وادعت ذلك وكان مما يمكنه الوصول إليها لم ينتف عنه إلا بذلك كما مر، وأما اعترافه بالبناء فلا يستلزم الوطء إذ هو كالدخول عبارة عن كون المرأة في حجابه كما يدل عليه قول الناظم فيما مر: إلا اعتراضاً كان بعدما دخل. والوطء إلخ. فلذلك لم يرتب حكماً على اعترافه به وإلاَّ لو كان البناء هو الوطء أو يستلزمه لم يكن من اللعان أصلاً وإن ادعى جهل معناه فلا يعذر به لتعلق حق الغير وإنما قلنا لا يمكن منه لعدم تقدم ما يعتمد عليه من الاستبراء والله أعلم.
وَيَبْدَأُ الزَّوْجُ بِالالِتعانِ ** لِدَفْعِ حَدَ أَرْبَع الأيْمَانِ

(ويبدأ الزوج) فعل وفاعل (بالالتعان) يتعلق به (لدفع حد) مجرور ومضاف إليه يتعلق بيبدأ (أربع) بالخفض على حذف الجار يتعلق بالالتعان ويجوز نصبه على أنه مفعول بالالتعان لأنه بمعنى الحلف كما مرّ (الأيمان) مضاف إليه.
إثْبَاتاً أوْ نَفْياً عَلَى مَا وَجَبَا ** مُخَمِّساً بِلَعْنَةٍ إنْ كَذَبَا

(إثباتاً أو نفياً) مصدر إن بمعنى الفاعل حالان من ضمير الزوج الذي عوضت أل منه في الالتعان أي: ويبدأ الزوج بحلفه أربع أيمان حالة كونه مثبتاً في الرؤية نافياً في الحمل، ويحتمل أنهما منصوبان على إسقاط الخافض أي على الإثبات والنفي. (على ما) موصول على حذف مضاف يتعلق بمحذوف حال (وجبا) صلة الموصول أي مثبتاً أو نافياً على حسب ما يجب عليه من ذلك، ومن الصيغة التي أشهد بالله أو والله ونحوهما. ويحتمل وهو الأقرب أن يكون قوله إثباتاً أو نفياً بياناً لما أي يبدأ الزوج لدفع حد بحلفه أربع أيمان حال كونها على حسب ما وجب عليه من الإثبات والنفي والصيغة والله أعلم. (مخمساً) حال من الضمير المذكور (بلعنة) يتعلق به (إن كذبا) شرط حذف جوابه للدلالة عليه، والمعنى أن صفة اللعان بين الزوجين أن يبدأ الزوج باللعان لدفع الحد عنه إن كانت الزوجة حرة مسلمة أو الأب إن كانت أمة أو كتابية فيحلف أربع أيمان على ما وجب عليه من الإثبات في الرؤية أو النفي في نفي الحمل فيقول: أشهد بالله لقد رأيتها تزني أربع مرات أو ما هذا الحمل مني كذلك، ويصل خامسة بلعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيهما، وظاهره أن الزوج يبدأ بالالتعان وجوباً وهو قول أشهب، وعليه إذا بدأت هي فتعيده. وقال ابن القاسم: يبدأ الزوج استحباباً فإن بدأت هي فلا تعيد (خ) وفي إعادتها إن بدأت هي خلاف، ومحله ما لم تحلف بصيغة لقد كذب وإلاَّ أعادت بلا خلاف وظاهره أيضاً أنه لا يتعين لفظ أشهد بل لو قال: بالله أو والله لرأيتها تزني أو ما هذا الحمل مني لكفاه وهو قول أصبغ والمشهور تعيينه وأنه لا يجزي غيره كما يأتي عن (خ) وظاهره أيضاً أنه لا يشترط زيادة الذي لا إله إلا هو ولا عالم الغيب والشهادة وهو كذلك، وإنما يشترط كونه في أعظم الأماكن كالمساجد كما قدمه في باب اليمين حيث قال: وما كمثل الدم واللعان إلخ.
وَتَحْلِفُ الزَّوْجَةُ بَعْدُ أَرْبَعا ** لِتَدْرَأَ الحَدَّ بِنَفْي ما ادَّعَى

(وتحلف الزوجة) فعل وفاعل (بعد) ظرف مقطوع مبني يتعلق بالفعل قبله (أربعاً) نائب عن مفعول مطلق أي حلفات أربعاً (لتدرأ) منصوب بأن مضمرة بعد اللام وفاعله ضمير الزوجة (الحد) مفعول به (بنفي) يتعلق بتدرأ والباء سببية، ويحتمل أنها بمعنى (على) تتعلق بحلف (ما) موصول مضاف إليه (ادعى) صلة ما والرابط محذوف أي تحلف أربعاً على نفي ما ادعاه من الرؤية أو نفي الحمل لتدرأ الحد عنها.
تخْمِيسُها بِغَضَبٍ إنْ صَدَقَا ** ثُمَّ إذَا تمَّ اللِّعَانُ افْتَرَقَا

(تخميسها) مبتدأ (بغضب) يتعلق به والخبر محذوف للعلم به أي واجب أو ثابت، ويحتمل أن يكون المجرور يتعلق بذلك الخبر والأول أقرب (إن صدقا) شرط حذف جوابه للدلالة عليه والجملة من المبتدأ والخبر في محل نصب على الحال ربطت بالضمير فقط، والمعنى أن الزوجة تحلف بعد لعان الزوج فتقول: أشهد بالله ما رآني أزني أو ما زنيت أربع مرات، وأن هذا الحمل منه كذلك أو تقول: لقد كذب فيهما أربع مرات أيضاً وتصل خامستها بغضب الله عليها إن كان من الصادقين أو إن صدق فتبين أنه لابد من لفظ أشهد في حق الزوج والزوجة خلافاً لظاهر النظم، ومن لفظ اللعان في حق الزوج والغضب في حق الزوجة (خ) ووجب أشهد واللعن والغضب وبأشرف البلد وبحضور جماعة أقلها أربعة وندب إثر صلاة وتخويفها وخصوصاً عند الخامسة والقول بأنها موجبة العذاب إلخ. (ثم) عاطفة (إذا) ظرف مضمن معنى الشرط خافض لشرطه منصوب بجوابه (تم اللعان) فعل وفاعل في محل جر بإضافة إذا (افترقا) فعل وفاعل جواب إذا وألفه للتثنية أي: إذا تم التعانهما على الصفة المتقدمة وقعت الفرقة بينهما بلا طلاق كان قبل البناء أو بعده ولها نصف الصداق إن كان قبل البناء كما مر، وظاهره أنه بمجرد تمام الالتعان تقع الفرقة من غير حكم وهو كذلك على المشهور.
وَيَسْقُطُ الحَدُّ وَيَنْتَفِي الولَدْ ** ويحْرُمُ العَوْدُ إلَى طُوله الأَمَدْ

(ويسقط الحد) فعل وفاعل (وينتفي الولد ويحرم العود) جملتان معطوفتان على الأولى (إلى طول الأمد) يتعلق بيحرم أي بتمام اللعان يقع الفراق ويسقط حد الزنا عنهما وينقطع نسب الولد من الزوج ويحرم عليهما العود للنكاح أبداً، لكن ظاهره أن نفي الولد يتوقف على لعان الزوجة وليس كذلك، بل بمجرد لعان الزوج ينقطع نسبه منه وإن لم تلاعن هي بل نكلت وحينئذ فلعان الزوج تنبني عليه ثلاثة أحكام: درء الحد عنه كما مر في قوله: ويبدأ الزوج بالالتعان لدفع حد إلخ. ونفي الولد عنه وإيجاب الحد على المرأة إن لم تلاعن. وهذه الثلاث مفهومة من قول الناظم: لتدرأ الحد إلخ. وينبني على لعان الزوجة ثلاثة أيضاً وقوع الفسخ بلا طلاق، وسقوط الحد عن الزوجة وتأبيد الجرمة (خ) وبالتعانهما تأبيد جرمتها، وإن ملكت أو أنفش حملها أي لاحتمال أن تكون أسقطته فقوله: ويسقط الحد إلخ. مستغنى عنه لأنه إن أراد سقوط الحد عنه فقد قدمه في قوله: لدفع حد وإن أراد سقوط الحد عنها فقد قدمه أيضاً في قوله لتدرأ الحد والله أعلم.
والفَسْخُ مِنْ بَعْدِ اللِّعَانِ مَاضِي ** دُونَ طَلاَقٍ وبِحُكْمِ القَاضي

(والفسخ) مبتدأ (من بعد اللعان) يتعلق بالخبر الذي هو قوله (ماض دون طلاق) يتعلق بمحذوف حال من الضمير في ماض. (وبحكم) معطوف على دون والباء بمعنى مع (القاضي) مضاف إليه والمعنى أن فرقة المتلاعنين هي فسخ بلا طلاق كما مرّ، لكن مع حكم القاضي فلا تقع حتى يحكم بها وما ذكر من توقفها على حكم الحاكم وإن قاله ابن القاسم ضعيف، والمذهب ما تقدم من أن النكاح يفسخ بينهما بغير طلاق بمجرد تمام اللعان كما أفاده أولاً. فلو استغنى عن هذا بما مر لكفاه، ولعله أراد أن يشير إلى أن في المسألة قولين وأن القول بتوقفها على الحكم وإن لم يكن مشهوراً لا ينبغي إهمال ذكره كل الإهمال لكونه قوي الحجة لما ورد أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال للمتلاعنين: (قوما فقد فرقت بينكما ووجبت النار لأحدكما) فلولا أن الفسخ يحتاج إلى حكم ما قال فقد فرقت بينكما، ويحتمل وهو الظاهر أن قوله: وبحكم القاضي راجع لأصل اللعان أي لا يوجب التأبيد والفسخ إلا إذا كان بحكم قاض كما مر في حد ابن عرفة.
ومُكْذِبٌ لِنَفْسِهِ بَعْدُ التَحِقْ ** وَلَدُهُ وَحُدَّ والتَّحْرِيمُ حَقْ

(ومكذب) من أكذب الرباعي مبتدأ سوغه كونه صفة وتعلق (لنفسه بعد) به أي وملاعن مكذب لنفسه بعد التعانهما (التحق ولده) فعل وفاعل خبر المبتدأ والعائد محذوف أي به (وحد) بالبناء للمفعول ونائبه ضمير المكذب، والجملة معطوفة على الخبر والمعطوف على الخبر خبر (والتحريم) مبتدأ (حق) فعل ماض بمعنى وجب خبره والجملة معطوفة على التي قبلها أيضاً.
ورَاجِعٌ قَبْلَ التَّمامِ مِنْهُمَا ** يُحَدُّ والنِّكاحُ لَنْ يَنْفَصما

(وراجع) مبتدأ سوغه ما تقدم (قبل التمام منهما) يتعلقان به وجملة (يحد) بالبناء للمفعول خبر (والنكاح) مبتدأ (لن ينفصما) خبره وألفه للإطلاق، وأصل الفصم القطع بلا إبانة، وأما القصم بالقاف فهو القطع مع الإبانة وهو هنا كناية عن عدم فسخ النكاح. وحاصل البيتين أن الملاعن المكذب لنفسه بعد تمام اللعان بينهما يلحق به ولده الذي نفاه باللعان ويحد لاعترافه بقذفها ولها العفو عنه، وأما تأبيد التحريم الحاصل بينهما فواجب لا يرتفع بتكذيبه لنفسه، ومفهوم بعد أنه إذا كذب أحدهما نفسه قبل التمام وهو معنى قوله: وراجع إلخ. فإنه يحد حد القذف إن رجع هو أو حد الزنا إن رجعت هي والنكاح لا ينفسخ فمن مات منهما ولو بالحد ورثه الآخر.
وسَاكِتٌ والحَمْلُ حَمْلٌ بَيِّنُ ** يُحَدُّ مُطْلَقاً وَلا يَلْتَعِنُ

(وساكت) مبتدأ سوغه كونه صفة لمحذوف أي وزوج قاذف ساكت (والحمل) مبتدأ (حمل) خبره (بين) صفة له والجملة حالية والرابط الواو (يحد) بالبناء للمفعول نائبه ضمير الساكت والجملة خبر عن الساكت (مطلقاً) حال (ولا يلتعن) جملة معطوفة على جملة الخبر والمعطوف على الخبر خبر إذ يصح أن يقال: والساكت لا يلتعن إلخ. والمعنى أن الحمل إذا كان بيناً ظاهراً بالزوجة وسكت عنه الزوج مدة بعد علمه به، ثم أراد أن ينفيه بلعان فإنه لا يمكن من اللعان ويحد مطلقاً طال سكوته كالشهر أم لم يطل كاليوم واليومين كما في المدونة ما لم يسكت لعذر، وهذا إذا ثبت سكوته بعد العلم به بإقرار أو بينة على أن علمه به لا يعلم إلا من قوله: وساكت إلخ. وأحرى الوطء لأنه إذا كان مجرد السكوت بعد العلم بالحمل يمنع من اللعان فأحرى الوطء، وإن لم يصحبه سكوت. وقوله: حمل بين وأحرى الساكت بعد الوضع.
وَمِثْلُهُ الواطِئ بَعْدَ الرُّؤْيَهْ ** وَيُلْحَقُ الوَلَدُ حَدَّ الفِرَّيَهْ

(ومثله) خبر عن قوله (الواطئ بعد الرؤيه) يتعلق بالواطئ (ويلحق) بالبناء للمفعول (الولد) نائبه (حد) مفعول مطلق بيحد في البيت قبله (الفريه) مضاف إليه أي يحد حد القذف، والحد في الواطئ بعد الرؤية مفهوم من قوله ومثله إلخ. وقوله: الولد راجع لهما أي الساكت مع علمه بالحمل يحد حد الفرية أي الكذبة مطلقاً ومثله في وجوب الحد وعدم التمكين من اللعان الواطئ بعد رؤية الزنا ويلحق الولد بالزوج فيهما. والحاصل أن الحمل يمنع من اللعان فيه أحد أمرين: السكوت أو الوطء، وأما الرؤية فلا يمنع من اللعان فيها إلا الوطء وإلى المسألتين أشار (خ) بقوله: وإن وطئ أو أقر بعد علمه بوضع أو حمل بلا عذر امتنع إلخ.
وَإنْ تَضَعْ بَعْدَ اللِّعان لأَقَلْ ** مِنْ سِتةِ الأَشْهُرِ فالمَهْرُ بَطَلْ

(وأن تضع) شرط (بعد اللعان لأقل) يتعلقان به (من ستة الأشهر) يتعلق بأقل (فالمهر) مبتدأ خبره (بطل) والجملة جواب الشرط.
ولَيْسَ للتَّحْرِيم مِنْ تَأْبيدِ ** إذِ النِّكاحُ كان كالمَفْقُودِ

(وليس) فعل ناقص (للتحريم) خبرها مقدم (من تأبيد) اسمها جر بمن الزائدة والجملة معطوفة على جملة الجواب والمعطوف على الجواب جواب (إذ) تعليلية يتنازعه قوله: بطل والاستقرار في خبر ليس (النكاح) مبتدأ (كان) فعل ناقص واسمها ضمير النكاح (كالمفقود) خبرها. والكاف بمعنى مثل، والمعنى أن من عقد على امرأة وقبل الدخول بها أو بعده ظهر بها حمل وزعمت أنه منه فأنكره وتلاعنا فيه بعد ثبوته كما تقدم في قوله: وما بحمل بثبوته يقع إلخ. ثم بعد اللعان وضعته كاملاً لأقل من ستة أشهر من يوم العقد قلة بينة كستة أشهر إلا ستة أيام لا خمسة فإنها من حيز الستة فإنها لا مهر لها وإن كان دفع لها نصفه استرده، وأما المدخول بها فلها المسمى إن لم تكن عالمة بالحمل ولا يتأبد عليه التحريم فيهما من حيث اللعان بل يتأبد عليه التحريم في الثانية من حيث الوطء في العدة حيث لم تكن عالمة كما هو الموضوع، وإلاَّ فلا يتأبد، وله العقد عليها بعد وضعها كما في المعيار فانظره. وعلة بطلان المهر في غير المدخول بها وعدم التأبيد فيهما أن النكاح بينهما كان مثل النكاح المفقود الذي لا ينبني عليه حكم لأنها بوضعها لأقل من ستة أشهر تبين فساد العقد لكونها في عدة استبراء فهي غير زوجة شرعاً فلا أثر للعانهما ولا صداق فيما فسخ قبل الدخول، وبهذا التقرير علم أن قوله: وإن تضع إلخ. شامل للمدخول بها وغيرها. وقوله: فالمهر بطل خاص بغير المدخول بها إذ المدخول بها لا يتوهم فيها سقوط المهر ما لم تكن عالمة وحدها بحملها وقت العقد أو الدخول وإلاَّ فهي غارة لا شيء لها إلا ربع دينار وحينئذ فيكون قوله فالمهر بطل راجعاً لهما بقيد الغرور في المدخول بها. وقوله: وليس للتحريم الخ راجع لهما أيضاً والله أعلم. وما ذكره الناظم نقله ابن سلمون عن ابن الماجشون، ووجهه ظاهر كما تقدم في حد ابن عرفة أول الباب، لكن تعليل عدم التأبيد يكون النكاح كالمفقود غير بين لأن النكاح المجمع على فساده كالخامسة يتأبد فيه التحريم باللعان كما يدل عليه إطلاق (خ) في قوله: إنما يلاعن زوج وإن فسد نكاحه. وفي قوله: وبالتعانهما تأبيد حرمتهما، وقد حكى ابن سلمون قولين في تأبيد التحريم وعدمه فيما إذا تلاعنا في نفي الحمل بعد البينونة، وظاهر كلامهم أن التأبيد هو المعتمد وإن لم تكن له زوجة وقت اللعان فالأولى أو الواجب حينئذ تعليل عدم التأبيد بتحقق نفي سبب اللعان من كون الغيب كشف على أن الحمل ليس منه قطعاً، وأنه ينتفي بلا لعان كما أنه إذا لاعن في حمل وتحقق انفشاشه بعد فلا تأبيد أيضاً فيكون محل التأبيد في كلامهم ما لم يكشف الغيب بصدقها أو صدقه. نعم تعليل بطلان الصداق بكون النكاح كالمفقود ظاهر في غير المدخول بها، وأما المدخول بها فعلته الغرور كما مر، ويمكن تمشية الناظم عليه بأن يجعل قوله: إذ النكاح إلخ. تعليلاً لبطلان الصداق فقط في غير المدخول بها فقط ويكون ساكتاً عن تعليل عدم التأبيد وعن تعليل بطلان الصداق في المدخول بها والله أعلم.